مقدمة في الشعر الشعبي العراقي ورموزه قصائد مشبعة بثنائية الأم والأرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفن الشعبي يمثل لغة خطابية خالية من تعقيد الفن العام الذي يخضع لسيطرة
الذي يجوز والذي لايجوز وهذا لا يعني خلوه من الرقابة الفنية التي تخصه مثه
مثله مثل أي فن .
هل كانت القرية بحاجة للأرصفة واشارت المرور كما لم تحتاج للأن لمطاعم
الوجبات السريعة لقد خاطب الأدب الشعبي كافة المستويات بلغته البسيطة
والرقيقة وان حوت مفردات عمد الشعراء علي اظهارها لتكون القصيدة حاوية
علي أسرارها الجميلة ليكون السؤال دائما ما معنى هذه الكلمة وما المقصود
بهذه الجملة .
من منا لم يسمع تلك القصص الشعبية حول الأبطال القدامى وبنت المعيدي
وحكايات الطنطل وما شابه من السرد الشعبي الذي كان أقرب لطفولتنا من
التلفاز والراديو . وهكذا كانت اللغة الدارجة هي الأقرب الى نفوس الطبقات
الوسطى والمعدومة حتى الغنية لما يمثله الشعر الذي نشأ على شكل مجالس
عزاء في ذكر الأولياء وكان أكثر تأثيرا في هذا المجال من السرد حتى بلغ
مراتبه الواقعية بعد الثورات المتكررة المصدرة من الخارج فكريا والمعبئة
عربيا من قبل القوميين وأصبح لسان حال الأمة التي تتباهى بأن قصائدها
بلغت جميع الاذان عن طريق هذا الشاعر وعن طريق تلك الفكرة ولعل بقاء
زاير دويج حتى يومنا لقوة الموضوع الذي طرقه ومحاكاته الناس في عصره
والعصور التي تلته فأنا لاأطالب بودليرفي كتابة لغة تخرجه من أسوار حيه
فالمعروف ان الأديب ابن بيئته وهذه البيئة تخرجت منها أسماء أمثال منظور
الكربلائي وعبود الكرخي واسماعيل عبدالفتاح وعباس جيجان وحمزة الحلفي
وغيرهم من الشعراء اللذين برزوا أواخر الثمانينيات ألم يمثل هؤلاء أذواق
مختلفة ولكنهم كانوا في ذاكرة الشعر بذات اللغة التي كتبوا فيها لقد رأينا
الفائزين بجوائز الأدب وقد خرجوا من بيئتهم وكتبوا أسماء مدنهم وطابقت
صيحاتهم صراخ أوطانهم وان اختلفت الطريقة التي وهبوا فيها الجوائز وهو
ليس من باب كتابة البحث . كانت القصيدة تمثل المرحلة التي وطئتها وان لم
تكن كما في العصر الراهن تمثل معتقد الشاعر على عكس ماكانت أغلبية
القصائد القديمة تمثل معتقد الأمة وفكرها ظل الشعر الشعبي العراقي الأقرب
الى النفس لحواره مع الناس دون مجازيات اللغة والبحث حرجة لم تلبي رموز
الشعر العرب على تحريكها بالشفافية الرائعة التي امتلكتها القصيدة عند جهابذة
الشعر الشعبي العراقي المتمثل بالمثلث الأنيق مظفر وعريان وكاظم لقد تطورت
القصيدة على أيدي الثلاثة بشكل صار من اللازم الرجوع لقصائدهم كمصدر ليس
بالهين تركه دون الأخذ من ينابيعه الحزينة أكتفي بأخذ رمزي الأرض والأم
وهما كنموذج يعتبر أكثر تواجدا في ساحة الشعر الشعبي العراقي وان أختلفت
طريقة تناولهم خلال القصائد ..
الأرض
عاش العراق ظروفا لم تكن خافية على أحد وكان للأدب دور مهم في كشف
الحقائق ويعتبر الشعر الشعبي في هذا المجال من المشاركين بقوة كان
حضوره بارزا .. كان يحمل حفنات الملح من أرض بور شققتها الأزمنة ولم
تعد تحتمل طرقات العطش كان يؤبن ويصرخ ويؤرخ حياة أمة وان كان
اختياري لثلاثة شيوعيون ألا أنهم من لا ينهلون من منهلا واحدا ولم تطغي
الحزينة في كل أعمالهم أسوة بأدباءنا العرب الذين مازالوا متحزبين أكثر منهم
مهنيين كانوا يصرخون من منابع قد تكون مختلفة ولكنهم ينزلون بنفس الساقية
حيث وجع الناس كربلاء تلك هي الأرض ليست المدينة ولكن الحدث التي لم
تمسح واقعته السنين برزت في قصيدة الشعر الشعبي عند الثلاثة لجعلها رمزا
لمكان لايمسح من الذاكرة فأنت تسمع صراخ الخيام ووجع الغربة في المقدمة
وما بعدها حتى المنتصف فالنهاية الأرض التي رافقت الأنسان مشواره مع
الحياة لم تفارقه حين فارقه من يجب ان يكون معه كانت قافيته الرائعة التي
هزت الوجد ومسحت وجهه من تعب مزمن ..
أواكح
جني ايدي اتفوح
ومكطوعة اصابعها
اعاتب كاع
مدفون ابنباعيها
مكتوب ابلاويها
اتحفر بيه مساحيها
واشمس روحي بالسنبل
يجي بروجة شمس
يسكي السفن والناس يرويها
لقد عاتب الشاعر مظفر النواب في قصيدة حجام البريس الأرض جعل منها
الأذن السامعة علها علاقة الطين بالشئ أو علاقة مهزوم اظطراريا بصديق
قديم لم يفارق ظله العمل هنا تجاوز المحلية ليفتح أطرا موصدة في حوار يجب
أن يفتح يوما ما ألم يكن حريا بفتح اللغة على مصراعيها ليكون الوجع مشتركا
أم أن التشبث بوهمية الحفاظ على اللغة افقدنا تعلم الغوص في سبر أغوار
المنسي أو الاخر دأبت القصيدة الشعبية علي محاكاة الواقع أكثر منها نتاجا
أدبيا وحين نزل الشاعر ليحاكي أمهالأرض وجدها محفورة بأسي النكبات فلم
ينتبه لحروف الجر ولا الفاعل المحذوف تقديرا كانت أدواته جاهزة وأسلوب
النواب في التدوين جعل منه شاعرا عربيا أولا ثم عراقيا حين النظر لمنتجه
الأدبي ككل .
ويصدح عريان السيد خلف في قصيدة أوراق يومية ويوصف نضال من يراهم
ممثلي حلمه كان واضحا حين أشهر المفردة وطاوع هياجاته موازيا مظفر
مقاطعا أعداء الفكرة .
جعل الأخذ بالثأر من أعداء الشعب والمتربصين به قبلة يطبعها التاريخ في
جبين البطل لعله حلم أممجرد أمنية حتى يبلغ به الأمر للعودة لتلك الأم الحنونة
التي رافقت تلك الجراحات والمميز في قصيدة عريان انه لا يمثل في قصائده
انتمائه الحزبي قدر تمثيله لامه تلغي ببطا خبيث .
لم يكن التيار اليساري وحده في الساحة بل مختلف الجهات وهو ما نقلته
القصيدة عنده لما تنال الأرض بروح يملكها الجميع حتى استدارللأرض وهي
المحطة الامنة في كبح الأسئلة المحرجة .
وتورد الكاع
وتوهسنة الصدك حد رفة العين
وعرفنة اشلون تنباع النواميس
كان أثر النشوة باديا على الأرض التي احتضنت جراحات الشاعر وان تلمست
أزاهر الوطن بشئ من الحذر فالضوء الذي لم يكن كافيا فرحت الأرض نكاية
بمن خانها ألم تكن زند الفلاح نصبا في كل معترك يصرخ بها اليمين واليسار
وهذه الزند التي تداعب أرضا لجعلها موردة نحروف ربيع لم تمسحه
الانقلابات من ذاكرة العشاق ألم تكن الدعوة مخلصة لوجود المخلصين الذين
كثرت الأجتهادات بتحديد واجهته ألم يكن الشاعر أمينا في جعل نثر بذور الأمل
في مواسم قاحلة رمزا ليوم سيأتي حتما كان ذات مرة هنا وذات مرة هناك
ولكن اللقاء سيكون على أديم تلك الحبيبة التي حملتنا بعيدا عنا كي تكون
مشاركة في الوجع المزمن لقد توجه الشعراء نحو الأرض تلك الحبيبة الدافئة التي حملت صراخ الخيبة وارجعته صدي مبهم كي لا
يسمعه الخاسر في وحدته الطويلة . لقد صور كاظم الكاطع القلق والمحنة بشئ من الحذر كان حادا في تصوراته كان يعرف ان
العائدين من رحلة الخوف غرقي كان ينشد لهم عارفا ان الصم يعشقون البهلوان فراح يغير موجة مقدماته الى نسق اخر لم تألفه
القصيدة العراقية من قبل ألا وهو أخذ العبارة الدارجة لجعلها مؤثرة لقد مازج الشاعر أنتمائاتة لكنه بقي متوجعا ولا يخفي حزنه
واذكر أني سألته في أواسط التسعينات عن سبب كتابته للشعر هذه الأيام فقال لي انه يكتب كي يشتري عرق .
لم تكن القصيدة عند كاظم الكاطع مجرد ارهاصات بل هي عالم من الجمال والأبهة فتراه ينزل هادئا في رأس المتلقي حتى يصرخ
به للنهوض ولكنه يمدد في طريقة الوصف كي يضيع المقصود فيكون الحزن واضحا ليحنو على الأرض تلك السمراء الحافيه .....
جنت انه الوم النخل
لو من ادين السعف بالريح
يوكع عثك
بس جربته وشفت
شفت العطش لو هجم
أول ضحية العرك
لم يكن الرمز العطش قليلا للعودة لألم الأرض التي هي رمز العطاء نشر الشعراء الثلاثة مرحلة في قصائدهم جعلوا منها طريقا
يمكن شقه بشئ من الحذر لأن هناك الكثير من الألغام وكثير من الزنازين وكثير من الخيبة .. كانت مرحلة خطيرة دونها الثلاثه
بحيث يمكن الأكتفاء بهم لأخذ عينة لتشخيص الألم دون نسيان أسماء كثيرة كان أصواتهم واضحة ..
المرأة
توجه الأدب العربي بصورة عامة في منتصف القرن الماضي توجها اخر عاش مرحلة جيل يدخل أبواب تغيرات طرأت على
تركيبته الحياتية حيث لم تعد الخريطة ذاتها ولا حركته ذاتها في منطقة قلقة عاشت الكثيرمن التغيرات فبرزت أسماء دعت للتجدد
وأخرى نادت للتمسك بالقديم .. ظهرت رموز كثيرة بعد النكسات علاوة على الأرض كانت المرأة العامل الأكثر ظهورا في قصائد
مثلت المرأةعلى انها الأم وقد تكون ممثلة بقوة أمام الوجد حين تكون المساند الحقيقي لرافض يتجه نحو خلاصه ..
وقد تجلت المرأة في بعض اعمال الثالوث فحين اتجه بها مظفر كي تكون أم مؤنبة لأبنها الذي ترك قضية تمثل الشعب على حد رأي
الشاعر ... كان يريد أن يقول أن المرأة هنا لها القدرة أن تكون سببا محفزا على البقاء في طريق النضال ضد كل ما هو مثبط قد
يكون فراحت تناشده بحزن على توظيف الأم كان أكثر تأثير من توظيف الأخت الذي أستخدمة في القصيدة لأسباب أراها لتركيبتي
الشرقية التي تحنو للأم لواعز ديني واجتماعي أكثر مما هو عاطفي ويبدو أن كتابتة للقصيدة بعد تأثير من واقع السجن الذي كان ...
يكتنفه الشاعر فكانت القصيدة من الأعمال الخالدة في سيرة مليئة بالحزن والضياع ...
وجيتك بعين القلب أدبي على الدرب المشيته
شيلة العلاكة يبني
تذكر جفوني بلعب عمرك عليهن
سنة وجفوفك وردتين اعلى راسي
وبيك اناغي كل فرح عمري النسيتة
ياللي شوفك يبعث الماي الزلال
بعودي وأحيا وانا ميتة
قد يكون طرح الشاعر هنا فيه من الشعور بالأمومة أكثر منه حزبية طغت على معظم أعمال اليسار العراقي الذي وظف الأدب
لمصالحه التنظيمية . لقد ظهرت المرأة باسفاف وأسئ لها حين كانت مادة غريزية كما ظهرت في روايات ما بعد النكسة في روايات
لم تكن في مستوى أنيسة أخت رجب عبدالرحمن في شرق المتوسط الذي أضاف اها روحية المرأة العربية الواقعة تحت سيطرة عالم
الأعتقال .. العفاف الذي هو رمز المرأة في عالمنا العربي والخلق الجميل الذي لم تؤثر عليه مكننة العصر وتطور الأيديولوجيات ...
كان واضحا في قصيدة الأكواخ وبيوت القصب حيث الجنوبي المعذب بهشاشة وسريعة الفكرة وضالة المدينة تلك المرأة التي لم تغادر
تنورها
ولا صغارها كما فعلن أبطال ماركيز في مائة عام من العزلة حين ارتضين بالهروب المؤقت من عالم الأضواء الخافتة ....
تناول عريان السيد خلف في قصيدة ولا جني الأم بشئ رائع وسريع بل كان مؤثرا ونديا لما مر بعذوبة الحنين وعالمهايتسع لكل ما
هو مؤثر .